التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
لم يكتفِ قصي بن كلاب بالحكم السياسي لمكة، بل دعَّم مكانته برعاية الكعبة، واستحداث وظائف وأعمال ظلَّت خالدة بعد موته.
لم يكتفِ قصي بن كلاب بالحكم السياسي لمكة، بل دعَّم مكانته برعاية الكعبة، واستحداث وظائف وأعمال ظلَّت خالدة بعد موته، وأهم هذه الوظائف والأعمال:
1- الحجابة: أي الاهتمام بالكعبة ذاتها، والتحكُّم في دخولها، وامتلاك مفتاحها، لم تكن الكعبة في الأصل ذات باب مغلق؛ إنما وضع الباب المغلق تُبَّع آنفًا.
2- السقاية: أي سقاية الحجيج ماءً مجانًا.
3- الرفادة: هي خَرْجٌ تُخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي ليصنع به طعامًا للحاج يأكله الفقراء، وكان قصي قد قال لقومه: "إنكم جيران الله وأهل بيته، وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق الضيف بالكرامة، فاجعلوا لهم شرابا وطعاما أيام الحج، حتى يصدروا عنكم" ففعلوا، فكانوا يخرجون من أموالهم، فيصنع به الطعام أيام منى، فجرى ذلك من أمره على قومه في الجاهلية، حتى قام الإسلام[1].
4- اللواء: وهو اللواء الذي يُحْمل في المعارك، وبحركته يتحرَّك الجنود، ويتلقَّى أوامره بشكل مباشر من قائد الجيش، ويحمله أشجع الناس، ولهذا كانوا يتدافعون في الذب عن اللواء، حتى لا يسقط على الأرض بسقوط حامله.
5- الندوة: والمقصود بالندوة المجلس الذي يضمُّ أشراف قريش، وقادة القبائل (مثل رئيس البرلمان)
6- الرئاسة: أي حكم مكة منفردًا.
وهناك ثلاثة أعمال شريفة أخرى لم تكن لقريش، ولم يتمكَّن قصي من حيازتها:
أولًا: الإفاضة: وهذا العمل كان يُعْقَد لغير قريش، وهو الإفاضة من المزدلفة، المفروض أن الإفاضة من عرفات، ولكن بدَّلها القرشيون، وقد كان أمر الإفاضة بيد رجل من قبيلة عَدْوان، من قيس عيلان المضرية، وكانت من القبائل القويَّة جدًّا التي نازعت خزاعة سدانة البيت قديمًا، وانتهى الأمر بتولِّيهم الإفاضة، واستمر هذا الأمر إلى الإسلام.
وأشهر رجالهم هو "عميلة بن خالد العَدْواني"، واشتهر بين الناس بـأبي سيارة. كان يجيز الناس من المزدلفة إلى منى أربعين سنة. يركب حمارًا أسود، وينظر إلى أعالي جبل "ثَبير"[2]، فإذا شاهد عليها أشعة الشمس الأولى نادى: أشرق ثبير، كيما نُغِير! ثم يجيز لهم بالإفاضة[3]. وضرب به المثل، فقيل: أصح من عير أبي سيَّارة[4]. وذكر "الجاحظ" أن اسم "أبي سيارة" "عميلة بن أعزل"، دفع بأهل الموسم أربعين عامًا، ولم يكن عيره عيرًا وإنما كان أتانًا، ولا يعرفون حمارًا وحشيًّا عاش وعَمَّر أطول من عير "أبي سيارة"[5]»[6]. والصواب التحرُّك من المزدلفة قبل الشروق.
ثانيًا: بدء رمي الجمار، والنفرة من منى: هذه كانت لقبيلة "صوفة"، وهم حي من نسل "الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر"، وقد سموا "آل صوفة"؛ لأن "الغوث" أبوهم جعلت أمه في رأسه صوفة وجعلته ربيطًا للكعبة يخدمها. وكانوا يخدمون الكعبة ويجيزون الحاج، أي يفيضون بهم، فيكونون أول من يدفع»[7]، وورثهم في ذلك بنو "عوف بن كعب" [من تميم].
ثالثًا: النسيء: «وقد اختص به فرع بني فُقَيْم من مالك بن كنانة؛ فكان نسأة الشهور منهم، وهم "القلامسة"، وكانوا فقهاء العرب والمفتين لهم في دينهم[8]. ومنهم القَلَمَّس، وهو أول من نسأ الشهور للعرب، فكان يحلُّ المحرَّم عامًا، وينسأه إلى صفر، ويحرِّمه عامًا.
وعمومًا هو ليس شرفًا يُبْكَى عليه؛ فقد قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 37] فهو زيادة في الكفر، وصورة من الضلال، ومن سوء العمل[9].
[1] الأزرقي: أخبار مكة، 1/ 61 وما بعدها"، والطبري: تاريخ الرسل والملوك، 2/ 259 وما بعدها"، وابن الأثير: الكامل في التاريخ،"2/ 10 وما بعدها".
[2] جبل بالمزدلفة
[3] الأزرقي: أخبار مكة، 1/ 189، الطبري: تهذيب الآثار، 2/ 883، الزبيدي: تاج العروس، 12/ 119.
[4] الزبيدي: تاج العروس، 3/ 287، والنويري: نهاية الأرب في فنون الأدب، 16/ 36 وما بعدها.
[5] الجاحظ: الحيوان، 1/ 139.
[6] جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 11/ 386.
[7] جواد عليك المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 11/ 387.
[8] محمد بن حبيب: المحبر، ص156.
[9] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: قصي بن كلاب ورعاية الكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك